«سؤال وجواب» ... [القسم الأول]

 بسم الله الرحمن الرحيم

هذه مجموعة  أسئلة سبق أن أجبنا عليها منذ سنوات، أحببت أن أنشرها عبر هذه الصفحة بعد تنسيقها وتنقيحها بقدر المستطاع، لكي يستفيد منها  الباحث وتعم الفائدة للجميع. 

 

في كتب التراث نجد أعلام في نهاية نسبتهم (الأحمري)، هل لهم علاقة برجال الحجر؟ 

حياك الله سعادة اللواء ***** ****** والمعذرة على التأخير وقد أحسنت في بحثك السابق وأحسنت أيضا في عدم جزمك بالأمر.

ولا شك أن نسبة الأحمري مبثوثة في كتب التراث، وبالطبع هذا الاسم يرتبط بمجموعة قبائل وأشخاص، من شرق البلاد وغربها، فعلى سبيل المثال هناك :

1. الأحمري : منهم هالة الأحمرية من بني الأحمر بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة.

2. الأحمري : منهم عبدالعزيز الغافقي الأزدي يكنى الأحمري لضربه الحناء على شعره.

3. الأحمري : منهم أبو ظلال هلال بن سويد الأزدي الأحمري من قسامل دوس زهران.

4. الأحمري : منهم سفيان الأسدي العصفري الأحمري أبو الورقاء.

5. الأحمري : منهم أبان البجلي الأحمري.

6. الأحمري : منهم هلال الأحمري من سبي الفرنجة أهداه ابن الأحمر صاحب غرناطة لصاحب تلمسان.

7. الأحمري : بنو الأحمر ملوك غرناطة من أنصار الأزد.

8. الأحمري : عبدالله بن عوف الأحمري وقيل الأحمر الأزدي من أنصار علي رضي الله عنه من غامد.

فكما ترى ليس كل أحمري منسوب إلى حجر الأزد، بل هناك قبائل عربية وعجم وعوائل وأشخاص تقلدوا هذا الاسم.

أما أبو الأزور الأحمري فهو صحابي جليل له حديث:(عمرة رمضان تعدل حجة).

ولم ينسبه أحد إلى الأزد فيما أعلم، وقال البغوي أنه لا يدري الأحمري ما هو... إلخ كلامه.

ولذلك الأصوب أن قبائل رجال الحجر في الجاهلية والإسلام كانوا يعرفون بالأزدي والحجري، كان منهم الصحابي والقائد البحري علقمة بن جنادة الأزدي الحجري، والصحابي عياض بن سعيد الأزدي الحجري، والإمام عبدالغني بن سعيد الأزدي الحجري... إلخ... والله أعلم.

**************

بخصوص سلامان وبنو أثلة، وصداهم في بلاد رجال الحجر! 

 نود توضيح حلف سلامان وبني أثلة في بني شهر و رجال الحجر؟ 

الموضوع يحتاج إلى إسهاب لا يسعنا... ولكن وبالمختصر... نقول ثبت من خلال الكتب والمخطوطات التالي:

بعد الفتوحات الإسلامية وهجرة القبائل، حدث خلل في تركيب قبائل المنطقة، مما دفع بعض القبائل إلى التحالف مع بعضها البعض، كبيرها مع صغيرها، الحفيد مع الجد، وبطرق مختلفة ومتعددة، بنيت على الجوار و النسب والحلف، كان منها سلامان وبنو أثلة، وفيما يلي تعريف بها:

1. سلامان: ذكر ابن قتيبة، والاصفهاني، وابن يونس، والعوتبي... وغيرهم ما يفيد أن نسبهم الصحيح هو : (سلامان بن مفرج بن عوف بن ميدعان بن نصر بن بن مالك بن الأزد).

وقد هاجر جزء كبير منهم مع الفتوحات الإسلامية ولهم خطط معلومة في بلاد مصر مع إخوانهم من أبناء رجال الحجر، ومن تبقى منهم في السراة تحالفوا مع أبناء الحجر بن الهنو بن الأزد، وغيرهم. 

2. أثلة : ذكر الهمداني أنهم : (من رؤوس بني نصر بن ربيعة بن شهر الحجر... )، وذكر ابن الكلبي، والحموي، والغساني... وغيرهم نسبهم إلى : (نصر بن ربيعة بن الاواس بن الحجر بن الهنو بن الأزد... )، وهو الراجح لدينا. 

كانت لهم مدينة الجهوة وضواحيها، وأغلب الظن أن السبب في تلاشي وهجها، الوباء الذي حل بالمنطقة في القرن 6 هـ، خاصة على بلاد عنز بن وائل (عسير)، ولا يصح أخبار تعرضهم لحرب إبادة من الغز أو آل يزيد! وغيرها من أخبار إمتاع السامر وتفرعاته المختلقة! 

وبالعموم كانت بداية السلامانية والأثلية، بحكم الجوار والقرابة، قائمة على النسب والحلف، تطورت فيما بعد إلى تحزبات عصبية جاهلية، لا علاقة لها بالنسب! استفاد منها أرباب الرئاسة والسياسية، من خلال تأجيج الفتن بناءً على قاعدة فرق تسد.

والسلامانية والأثلية متجذرة في بني شهر أكثر منها في رجال الحجر.

 

**************

عن اسم الحجر، ورؤسائهم، وأسميائهم، وسبب تفرعاتهم.

1- هل هناك سبب لتسمية قبيلة ( الحجر ) بهذا الإسم ؟ ومن هو أول من أطلق عليها هذا التسمية ؟

الحجر له دلالة أسميه في اللغة، فـ "حَـجْـر" بفتح الحاء وسكون الجيم تعني (المنع)!. 

وكذلك للحجر أسمياء كثر جاء ذكرهم في كتب الأنساب كـ : حجر مازن الأزد، وحجر حمير، وحجر آكل المرار وفي الأعلام منهم الشاعر أوس بن حجر التميمي.

أما عن سبب التسمية، وأول من تسمى به! فلم نحط به علما.

2- متى تفرعت قبيلة  (الحجر) الى هذا التفرع الرباعي وكيف إنفصلت وما هي الأسباب ؟

 

الظاهر لنا أن الإنقسامات والتفرعات حدثت أكثر من مرة، والراجح في تفرعات قبائلهم الحالية، أنها بدأت بعد القرن الرابع الهجري، وكان التحول على مراحل، فتجد البطن انضوى للفخذ، والابن مع العم، والحفيد مع الجد... إلخ، ولهذه التحولات أسباب نذكر بعضها من باب الترجيح، فمنها على سبيل المثال: ضيق البلاد وبعد المسافات! وطلب الزرق، والرئاسة والزعامة، وأيضاً السلوك أو السيكولوجيا الخاصة بمزاجية الإنسان (الحجري)! وغيرها من الأسباب.

ومن باب الفائدة، قديماً كانت بعض القبائل مستقلة، وأصبحت تحت اسم جامع، فمثلاً زهران القبيلة الحالية ظهر أنها كانت متفرقة، وقد ذكر الهمداني منهم، قبائل دوس وهي أعظمهم شأنا، والنمر والحارث وغيرها... كلاٌ على حدى! والذي حدث أنه طرأ بينهم تحالف جامع، تقريبا بعد القرن الرابع الهجري، ولا نعلم أسبابه الحقيقية! سوى أنهم اجتمعوا على اسم جدهم زهران وهم كذلك إلى وقتنا الحاضر.

تماما لو أن رجال الحجر وحوالة والبقوم، تحالفوا! لكان الاسم الجامع لهم (الهنوي)!

3-  هل كان لقبيلة الحجر يوم ان كانت مجتمعة شيخ او أمير ؟

قد يكون فيما مضى للحجر بن الهنوء شيخ ورئيس واحد، ولكن لم نجد نصا صريحا نستطيع الإتكاء عليه.

والذي ظهر لي من خلال النصوص والروايات والآراء، أن رئاسة الحجر في بداية الدعوة الإسلامية كانت على ثلاثة أقطاب :

1. الصحابي الصرد بن عبدالله الأزدي.

2. الصحابي جنادة الأزدي وابنه من بعده علقمة بن جنادة بن قيس الأزدي.

3. الصحابي سويد بن الحارث الأزدي. 

وأتى من بعدهم في القرن الرابع الهجري، كما عند الهمداني، مجموعة من الرؤساء المحليين، كان منهم :

1. الضحاك بن بشر الأثلي حاكم الجهوة.

2. علي بن الحصين العبدي.

3. وابن عمه الحصين بن دحيم العبدي العامري الحجري حاكم الاشجان والحراء.

4. والشاعر أبو الجياش الحجري مقدم الحجر بن الهنو ويرجح أنه جاهلي وكان على الحنفية! 

هذا ما عندي على عجالة والأمر يحتاج إلى كلام أعمق وتفصيل أكثر... والله أعلم.

**************

اسم "عسير" ، وكيف أصبحت اسم المنطقة! 

حياك الله أستاذ **** ****، وأشكر لك ثقتك في أخيك، والحقيقة أن الحديث يطول للإجابة على هذا السؤال، وسنذكر ما نعلم ونجتهد في توضيح الأمر، ونسأل الله التوفيق. 

بدايةً فقد ذكرت المنطقة في بعض المصادر المتقدمة باسم اليمن، أو جهات اليمن، وهو ما كان جنوب الكعبة، وأيضاً ذكرت باسم سروات الأزد، والسروات، والسرو، والطود، وجبال الحجاز، وشنوءة... إلخ.

وجاء وصفها بأنها شديدة البرودة، فيها الجبال الشاهقة والحصون المنيعة، وأهلها فصحاء، أولي بأس ونجده، لم تغذهم رقة الحضارة، ولا يخضعون لأي سلطة.

أما اسم عسير فقد ذكر الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب والإكليل، أنها فرع من قبائل عنز بن وائل النزارية، وكما هو معلوم فلم يعمم اسم عسير على المنطقة بشكل رسمي إلا في القرون المتأخرة، تقريباً بعد السيطرة العثمانية الأخيرة عام 1288هـ، ومن يقرأ التاريخ بعمق سيجد تفاصيل الحدث، ومن باب الفائدة وايضاحا للأمر، سنضع بلاد رجال الحجر تحت المجهر الزمني. 

ففي بداية ظهور الإسلام كانت المنطقة تسمى بالسروات، تحكمها القبائل ولا تخضع لأي سلطان ولها رؤساء محليون يقومون بواجبات القبيلة، وبعد وفود القبائل للإسلام، أصبحت بعض المدن، إمارات إدارية للدول الإسلامية المتعاقبة، كمثل جُرش (أحد رفيدة حالياً)، في عهد الرسول ﷺ، وقد ولي عليها الصحابي صرد الأزدي، وتبالة (غرب بيشة) في العصر الأموي، وكان أشهر من ولي عليها الحجاج بن يوسف الثقفي.

وجاء العصر العباسي، وكان سوق حباشة قائما في بلاد الأزد، حتى قتلت الأزد واليا كان عليها من قبيلة غني، بعثه داود بن عيسى بن موسى، فأشار فقهاء مكة على داود بتخريبها فخربها، وقد كان الشاعر الشنفرى قديماً من روادها، ولا غرابة في ذلك فهي من أسواق الأزد، وفي حدود بلاد الحجر التهامية.

وقد ذكر الهمداني أثناء رحلته، -من أعيان القرن 4هـ (ت 360 تقريباً)- كثيرا من أسماء القبائل والمواضع، التي ما زال أكثرها حتى عصرنا الحالي، وذكر من سكان السروات، حين صعوده من اليمن : ( سراة عنز بن وائل (عسير) ثم سراة (رجال الحجر) الحجر بن الهنو بن الأزد ثم سراة ناه من الأزد ثم سراة الحال لشكر ثم غامد... إلخ)، ولم يظهر اسم عسير، إلا عندما فصل في بلاد جُرش ومن يسكنها من قبائل عنز بن وائل.

وأيضاً ذكر مسلم اللحجي -من أعيان القرن 6هـ (ت ٥٤٥)- في تاريخه : ( سراة عنز ثم سراة الحجر بن الهنو بن الأزد ... إلخ).

وما زالت المنطقة تسمى بالسراة، حتى القرن الحادي عشر الهجري، فقد أتى في مخطوط أبي علامة المؤيدي (ت 1044هـ) "التحفة العنبرية"،  سرد لرحلة والده الإمام عبدالله المؤيدي وذكر أنه :(بعد أن بايعه العلماء رغبوا انتقاله إلى بلاد السراة)، بمعنى أن اسم السراة كان غالبا عليها طول القرون الماضية، وذكر المؤيدي أيضا مجموعة من قبائل المنطقة، منها قبيلة شهران وقبيلة قحطان، وأيضاً قبيلة عسير، وهنا يلاحظ تحول الاسم من عنز بن وائل إلى عسير! حيث إلتهمت عسير أغلب بطون عنز بن وائل، تماما كما حدث مع شهران وأبناء خثعم! وشهر مع أبناء الحجر! وهذا الأمر معلوم ومشهور يعرفه أهل النسب.

ثم أتى دور المستشرقين من الرحالة الأجانب، وكان من أهمهم جوهان بوركهارت، وهو من وفيات القرن 13هـ (ت 1232هـ)، وقد دون معلومات عن جزيرة العرب لا تقدر بثمن، وكذلك عن الحملة المصرية، فترة الدولة السعودية الأولى، وعندما تطرق لبلاد رجال الحجر ذكرها باسم: ( بلاد -أو منطقة- ابن دهمان) ... وكذلك كان الأمر في الوثائق العثمانية! وكان بوركهارت الذي ذكر اسم عسير يظن أنها مدينة! أما نيبور فقد جهل حتى اسمها، أما جاكلين بيرين فقد ذكرت أن دومينغو أو علي بك الذي صحب جيوش محمد على باشا في حملته على البلاد كان يجهل إمارة أبي نقطة، وأيضا ترك الجغرافي هنري برغوس، موقعها أبيض على الخارطة الأسيوية التي وضعها عام ١٨٣٥م، بمعنى أن المنطقة عند بعض المتأخرين كانت مجهولة الحال. 

ومما ينبغي ملاحظته أن هناك فترات لم تسعفنا بها المصادر لمعرفة المزيد من أخبارها، خاصة المنطقة الواقعة بين مكة وصنعاء، فبعد انتقال الثقل السياسي إلى الشام والعراق ومصر، وهجرة القبائل جهادا في سبيل الله شرقا وغربا، مرت المنطقة بفترات مظلمة، شحت بها المصادر! اللهم بعض الشذرات من هنا وهناك، فعلى سبيل المثال مدينة (الجهوة) في بلاد الحجر، كانت أكبر مدن السراة في العصر العباسي، وكان يحكمهما الجابر بن الضحاك الأثلي، وذكر الهمداني أنها أكبر من جُرش، والتي كانت مخلافا للمنطقة فيما مضى! والجهوة عموماً وشرق بلاد رجال الحجر، منطقة زاخرة بالنقوش الأثرية، وبشكل مغاير عن باقي بلاد السراة وتهامة، مما يعني أنها كانت مركزا اقتصاديا وحضاريا لتهامة والسراة. 

ولو عدنا لحال المنطقة في القرن ١٣ الهجري، فترة الدولة السعودية الأولى، لظهر لنا أن منطقة السراة وتهامة، ما زالت تحت النفوذ القبلي ورؤسائها المحليين، حتى بدأ يطالها النفوذ السعودي والعثماني ومن بعدهم من أشراف مكة وجازان، وقد كانت المنطقة تسمى اختصارا جهات اليمن، وإذا أرادوا التحديد كما في الوثائق العثمانية، ذكروا اسم البلاد باسم رؤسائها أو بالمتعارف عليه مثل : بلاد عسير وبني شهر ورجال ألمع وبلسمر... إلخ، هذا وقد جاء في وثيقة خطية لعائض بن مرعي موجهة إلى السلطان العثماني، تشرح حال إمارته، أنه رجل من أهل اليمن! وهذا يوضح لنا الاسم الدارج في تلك الفترة.

ولو قمنا بشيء من التفصيل، وشرح توزيع النفوذ، بين هذه القوى، على حدود منطقة عسير والباحة الحالية، مع تركيزنا على أوضاع بلاد رجال الحجر، بداية منتصف القرن 13 هـ، وما بعده لكان الوضع كالتالي : 

1- نفوذ الدولة السعودية الأولى، وفيها تولى محمد ابن دهمان إمارة رجال الحجر، من بداية عام 1215هـ حتى أواخر عام 1232هـ، حينما سيطر الجيش المصري على الجزيرة العربية، واسقط الإمارات الداعمة للدولة السعودية الأولى، والتي كانت القوة الضاربة لها، وهذه الأحداث لم تمنع ابن دهمان من استمراره بالمقاومة وحرب العصابات تقريبا حتى بعد عام 1250هـ، وكان مسرح عملياته ما بين بلاد رجال الحجر وشمران وبلقرن حتى حدود بلاد غامد، وقد كان يحظى في تلك المناطق بشعبية كبيرة، وكان له قصور في تبالة، طالها التدمير والتخريب من جيش الباشا، ومهما يكن الأمر فقد أبلى ابن دهمان،  والقبائل السالفة الذكر بلاءً حسنا، في مقاومة الحملة المصرية.

2- نفوذ محمد علي باشا، ممثل الدولة العثمانية، بعد سيطرته على أجزاء كبيرة من جزيرة العرب، ومن ضمنها بلاد رجال الحجر وعسير، تقريباً بين عامي 1230 و1231هـ، وفيها دمرت قلاع ابن دهمان في تنومة وتبالة، ومن ثم سقوط الدرعية في عام 1233هـ، ونفي رؤسائهم السابقين وتنصيب غيرهم، وغيرها من الأحداث التي دونت في تلك الفترة.

3- نفوذ شريف جازان حمود أبو مسمار وابنه على بلاد السراة، وكان هذا الأمر تقريباً من عام 1232هـ، حتى 1235هـ، أثناء بداية سقوط الدولة السعودية الأولى، وإمارة المتاحمة في طبب من بلاد عسير قبلها، وقد حاول محمد بن أحمد المتحمي، الهجوم على المخلاف السليماني، ولكنه لم ينجح بذلك، وهذا ما جعل أنظار الشريف حمود تتجه إلى بلاد السراة، وتجاوزا للتفاصيل، فقد وقعت في تلك الفترة أحداث كبرى، منها مقتل سنان باشا والشريف الحجازي وغيرها من الأحداث، وكلها ساهمت في مد نفوذه على بلاد السراة، ويرجح أن نفوذه أيضاً طال أجزاء من بلاد الحجر.

4- نفوذ أشراف مكة، بمساندة عثمانية، فقد استطاع الشريف محمد عبدالمعين من مد نفوده إلى بلاد الحجر تقريبا من عام 1235هـ حتى 1248هـ، ومن خلال الوثائق والروايات، فقد كان لأشراف الحجاز مع رجال الحجر صلات قديمة، خاصة قبائل بنو عمرو وبنو شهر،  وكان رؤساء بني شهر العسابلة، على تواصل مع حكام الحجاز، خاصة الشريف محمد ابن عبدالمعين، زوج صالحة ابنة غرم العسبلي، وهذه المصاهرة كانت قبل قدوم محمد علي باشا، وحربه للدولة السعودية الأولى بسنوات، وقد استمرت العلاقات متينة حتى خروجهم من الحجاز واستقرارهم في الأردن، ومهما يكن فقد ساهم كل ما ذكر سابقاً، إلى تقويض نفوذ ابن دهمان على بلاد الحجر.

3- ثورة سعيد بن مسلط وعلي ابن مجثل عام 1238هـ، فبعد حادثة وادي الدواسر، وإساءة الشريف لابن مسلط أمام حشود القبائل، عاد من المعسكر ليلا وهاجم منصوب الشريف هزاع في طبب، وأخرجه من البلاد، مما أثار القبائل الأخرى على التمرد، وتبعه تأييد من بعض قبائل رجال الحجر عام 1241هـ، بينما كان ابن دهمان مع مناصريه في حرب عصابات، ضد النفوذ المصري والحجازي، ولم يستسلم للأمر الواقع، وقام أيضا بإخماد بعض الثورات الداخلية ضده.

4- نفوذ عائض بن مرعي، وابنه محمد، من عام 1249هـ إلى 1288هـ، ولم تسلم فيها البلاد من السيطرة العثمانية والحجازية، خاصة عام 1250هـ إلى 1251هـ، واستمر الوضع بين المد والجزر، حتى حصول عدة أحداث هامة كانت سببا في بقاء عائض بن مرعي ومد نفوذه، كان من أهمها خلاف أشراف مكة مع والي محمد علي باشا، واشتعال جبهات الشام مع الدولة العثمانية، تبعها القاصمة لظهر محمد علي باشا! ألا وهي معاهدة لندن عام 1256هـ، والتي أجبر فيها من قبل الدول العظمى إلى الخروج من الجزيرة العربية والشام، وكل هذا هيئ الظروف أمام عائض، واستطاع استمالة مشايخ بني شهر العسابلة، والذين كانوا منقسمين بين تأييد شريف مكة، وعايض بن مرعي، فطرف يرى الأحقية لأشراف مكة، بحكم الشرع والصلات القديمة بينهما، والطرف الآخر مناهض للمد المصري، خاصة بعد انقلاب محمد علي باشا على بعض أشراف مكة، وصعود عائض في المنطقة، ومهما يكن الأمر فقد قويت الروابط بين غرم العسبلي عائض بن مرعي، خاصة بعد أنباء الإنسحاب المصري، والذي تلاه زواج فايز بن غرم العسبلي، من عائشة بنت عائض بن مرعي، والأمر الآخر أن عائض استطاع أن يستميل شيخ بلسمر مشبب بن رفيدي، والذي كان من أنصار المتاحمة، ومناهضا لعائض بن مرعي، فيما مضى، وبالعموم فقد استمر نفوذ عائض وابنه محمد بن عائض، تقريباً مدة 38 عاما حتى سقوط منطقة عسير مرة أخرى عام 1288هـ، بعد سيطرة الدولة العثمانية على البلاد.

5- سيطرة عثمانية من عام 1288هـ، حتى زمن خروجهم عام 1337ھ، تقريبا لمدة 49 عام! ومما ينبغي الإشارة إليه، أنه قبيل هذه الاجتياح العثماني، كان محمد بن عائض قد طلب من السلطات العثمانية في عام 1272هـ بعد وفاة والده توليته متصرفا على بلاد عسير، وأتاه الرد حينها بالموافقة على طلبه، مما دفع محمد بن عائض إلى أرسل خطاب شكر وتقدير مؤرخ في عام 1282هـ، يعبر فيها عن امتنانه في إبقائه متصرفا على البلاد، ورغم كل ما سبق ذكره! لم تستمر الأوضاع كما أراد وتوقع، بل جهز العثمانيون عام 1288هـ حملة عسكرية ضخمة بقيادة رديف باشا، قضت على إمارة محمد بن عائض، ونفي خلالها عشرات المشايخ إلى عدة بلدان في تركيا وشرق أوروبا، ورغم هذا فلم تكسر شوكة القبائل، واستمرت بالمقاومة، وظهرت عدة ثورات في بلاد رجال الحجر وعسير، وبالعموم فلم تتوقف الثورات مدة السيطرة العثمانية وإن كانت متقطعة حتى خروجهم منها، وأيضا مما ينبغى الإشارة إليه أنه في أواخر العهد العثماني، طال نفوذ الإدريسي منطقة عسير، واستطاع كسب ولاء كثير من القبائل، وفيها أيضاً طغى اسم عسير على المنطقة، حيث قسمت ولاية اليمن إلى 3 مناطق، يتبع كل منطقه عدة أقضية، وكانت حدود سنجاغي عسير من جنوب بلاد عسير إلى بلاد زهران، وكانت مدينة أبها العاصمة الإدارية والعسكرية، وفيها مقر الولاة، بدأت بولاية أحمد مختار باشا 1288هـ، وانتهت بولاية محيي الدين باشا عام 1237هـ. 

6- بدأ نفوذ الإدريسي أواخر عام 1327هـ، واستطاع أن يمد نفوذه إلى قبائل السراة، من قبائل عسير إلى زهران، ورغم هذا فقد كان نفوذه بين المد والجزر، وفي منازعة مستمرة مع الولاة العثمانيين وأشراف مكة، وحتى مع بعض القبائل، كما أنه استطاع أن يبني علاقات متينة مع الايطاليين، وهم من ساهم بدعمه بالسلاح، مما جعله قوة لا يستهان بها، ومع بداية الحرب العالمية أرتد الإدريسي إلى البريطانيين، والذين قاموا أيضا بدعمه بشكل جيد، حتى استطاع أن يثبت أركان دولته، وضم بلاد عسير، وكان ذلك بعد اتفاق صبيا مع حسن آل عائض عام 1337هـ، والذي لم يستمر طويلا، فقد اتجه حسن إلى الشريف حسين بن علي، للخروج من النفوذ الإدريسي، ومهما يكن فقد نال الإدريسي وبصفة رسمية اسم إمام عسير، واستمرت أوضاع إمارته حتى وفاته واستلام ابنه مقاليد السلطة، ولكنها لم تصمد طويلا حتى سيطرة الدولة السعودية الثالثة.

7- نفوذ الدولة السعودي الثالثة، بقيادة الملك عبدالعزيز، حيث استطاع مد نفوذه عام 1338هـ إلى بلاد رجال الحجر سلاما و إلى عسير حربا، فقد جاء في وثيقة سعودية عام 1338هـ، خبر مبايعة قبائل رجال الحجر للدولة السعودية، ومهما يكن فقد تخلل هذه الفترة بعض الحوادث، خاصة في عام 1341هـ، مابين بلاد بيشة وتنومة وأبها، واستمر المناخ السائد في تلك الفترة يغلب عليه الاضطراب والانقسام، حتى تم استدعاء رؤساء القبائل، وفرض الإقامة الجبرية عليهم، وبذلك تكون طويت صفحات من الماضي، وأصبحت القبائل بفضل الله جزء من الدولة.

ولعل ما سبق آنفا ورغم الاختصار، فيه ما يكفي من التوضيح، دون الإطالة والإخلال، وبإذن الله نلحقه بمعلومات جديدة، متى سمحت لنا الظروف. 

وختاما: أقول ‏لا غرابة في تجاوز بعض الباحثين عمداً لكثير من أخبار التاريخ الموثقة! ولا أعلم هل الأمر قائم على تعصب مذموم؟ أم عقدة نقص؟ أم تقية محترس؟! فما هو ظاهر لنا من الكتابات الحديثة، في غالبه يعبر عن رغبات منسجمة مع الأهواء! ونحمد الله أن جل هذه الأخبار، ظاهرة وجلية لمن أراد الوصول إليها، فقط الأمر يحتاج إلى قراءة واعية وإطلاع عميق.

إضافة لمَ سبق! ما زلت أعجب من بعض مؤرخينا وباحثينا المخضرمين، في اتكائهم على مجموعة إمتاع السامر وتفرعاته المكذوبة والمختلقة لتمجيد طرف دون آخر! وكذلك خلطهم في تاريخ القبائل مع تاريخ غيرهم! وعدم تفريقهم بين القبيلة والمنطقة، وهذا الأمر فيه إجحاف لتاريخ قبائلهم، وظلم لقبيلة عسير وتاريخها، فلكل قبيلة من قبائل المنطقة تاريخها الخاص الذي تفتخر به، وهنا أقدم دعوة للباحثين لمعالجة الأمر وإعادة النظر في التاريخ المكتوب حديثا! وتجاوز مرحلة الاعتماد على المصادر الحديثة، فمع كامل إحترامي وتقديري، لشخصهم ومجهوداتهم الكبيرة، لكن جل باحثي التاريخ الحديث، وأخص باحثي المنطقة، كانت قائمة في غالبها على هذه الكتب :

1. تاريخ مكة، السباعي رحمه الله .

2. تاريخ عسير، النعمي رحمه الله.

3. المخلاف السليماني، العقيلي رحمه الله.

وهذا ليس طعناً بهؤلاء الأعلام، فهم أصحاب الفضل والسبق، ولكن الإتكاء على مجهوداتهم، وعدم محاولة الاستقلال والتفرد بقراءات جديدة، والوصول إلى المصادر والوثائق الحديثة، سبب جمودا فكريا قائم على النسخ والتكرار! وهذا ما لا نريده ونسعى إليه!

نعم كلنا مقصرون ولا ندعي الكمال، ولكن طموحنا الصعود إلى القمة، والاستمرار على ذلك، فتاريخنا يستحق منا الأفضل! نرجو من الله أن تجد كلماتنا آذانا صاغية، وأن نرى في قابل الأيام ما يشفي الغليل. 

 

**************

نسب الشنفرى صاحب لامية العرب، ونبذة عنه! 

الشنفرى شاعر جاهلي، وكما يروى! هو الذي قتل الرجل المائة بعد مماته، والذي كان يسابق الخيل، حتى قيل فيه "أعدى من الشنفرى"، وهو أحد فتاك العرب وصاحب "لامية العرب"، والتي أوصى بها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد اختلف في نسب الشنفرى واسمه ومعناه، والصحيح والراجح أن الشنفرى يعني "الجمل الضخم" كما عند ابن المبرد وغيره، واسمه ونسبه الصحيح هو : (عمرو ابن مالك ابن ملبد ابن الأدرم بن الحارث بن ربيعة بن الاواس بن الحجر بن الهنو بن الأزد)، وخاله تأبط شراً : (ثابت بن جابر بن سفيان بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان).

وفي رواية أن أباه مالك ابن ملبد من شياطين العرب، قتل بعد أن استطار شره على قبيلته والقبائل الأخرى، وقيل بل قتل أباه بعد معارك الأزد مع فهم، وقيل غير هذا والأمر يحتاج إلى تحرير! ومهما يكن الأمر فما حدث كان دافعا لارتحال أم الشنفرى إلى بلاد قومها في فهم، حتى  حدث قتال بين شبابة بن فهم بن قيس عيلان، وسلامان بن مفرج من ميدعان الأزد، وقاموا بمقايضة الأسرى، ففادوا بعض أبناء قومهم بالشنفرى، ونشأ في سلامان بن مفرج بن عوف بن ميدعان بن نصر الأزد، حتى علم بخبره، فاختار لنفسه الصعلكة، وبدأ في الغارات والثأر، وأخباره مدونه في كتب التراث، وقد ثبت نسبه إلى "الحجر بن الهنو بن الأزد"، عند طائفة كبيرة من المتقدمين منهم: 

(1) مؤرج السدوسي (المتوفى: 195هـ).

(2) هشام ابن السائب الكلبي (المتوفى 204هـ). 

(3) محمد بن حبيب (المتوفى: 245هـ).

(4) ابن المبرد الثمالي (المتوفى: 286هـ).

(5) أبو علي الهجري (المتوفى: 300هـ تقريباً).

(6) الحسن الهمداني (المتوفى: بعد 360هـ)

(7) أبو الفرج الأصفهاني (المتوفى: 356هـ).

(8) أبو عبيد البكري الأندلسي (المتوفى: 487هـ)

(9) أبو زكريا التبريزي (المتوفى: 502هـ).

10) أبو محمد عبدالله الرشاطي (المتوفى: 543هـ).

11) ابن الخراط الأزدي الإشبيلي (المتوفى: 581هـ).

(12) ياقوت الحموي (المتوفى: 626هـ).

(13) المبارك الغساني الحمصي (المتوفى: 658هـ).

(14) عبد القادر البغدادي (المتوفى: 1093هـ). 

(15) المغيري اللامي (المتوفى: 1364هـ). 

(16) حمد الجاسر (المتوفى: 1421هـ).

**************

الصحابي الصرد بن عبدالله الأزدي، وعلاقته برجال الحجر. 

نشكر الأخوين الأستاذ **** **** والأستاذ **** **** لطرحهم موضوع الصحابي الصرد بن عبدالله الأزدي، وليسمحوا لنا وعلى عجلة بإضافة بعض ما نعتقده ونرجحه في انتساب الصحابي إلى رجال الحجر وهو التالي:

1. بحسب المتوفر لدينا، لم نجد في المصادر انتساب الصرد في غير الأزد، ولكنها أيضا قربت لنا موضع بلاده التي كان يسكنها، قبل توليه إمارة جُرش. 

2. لعل أول من ربط علكم عسير بالصحابي الصرد، هي مجموعة إمتاع السامر وحواشيها وتفرعاتها، وهذه الكتب ثبت كذبها واختلاقها أحداث من ضرب الخيال! كل هذا من أجل تمجيد جهة معينة، كانت للأسف سببا في انحراف تاريخ المنطقة عن مسارها الصحيح! 

3. أما المتأخرون من أبناء المنطقة، فقد رجح القاضي هاشم النعمي انتساب الصرد إلى رجال الحجر، وأيده في ذلك القاضي سعيد ابن رداد الأسمري، والأستاذ فايز بن سالم العميري... إلخ. 

4. وهذه خلاصة رأينا وترجيحنا، في انتساب الصحابي صرد الأزدي لرجال الحجر وهي التالي:

أ) كما هو معلوم وثابت أن آخر سراة الأزد، هي قبائل الحجر بن الهنو (رجال الحجر)، وحدودهم إلى مدينة جُرش كما أثبت الهمداني في كتابه، وكما هو ثابت في كتب السيرة أن رسول الله ﷺ، أمر الصحابي صرد الأزدي بمقاتلة من يليه من المشركين في جُرش. 

ب) ظهور بعض وفود قبائل السراة الأزدية، بأسماء قبائلها الصريحة، مثل غامد وزهران وبارق... إلخ، مما يوضح لنا ما تبقى من وفود قبائل الأزد، بينما قاد وفد عنز بن وائل إلى الرسول ﷺ، كما عند ابن الأثير وغيره الصحابي عبادة بن الأشيب العنزي.

ج) ظهور نقوش أثرية في شرق بلاد الحجر تحمل اسم الصرد، وقد أثبتت لنا نقوش بلاد الحجر من قبل شخصية الرئيس الجابر بن الضحاك الأثلي، حاكم مدينة الجهوة، والذي كان قد إلتقى به الهمداني، في القرن الرابع الهجري.

د) وجود عائلة آل الصرد شيوخ قبائل خشرم، من بني التيم بن مالك بن ربيعة، الذين وإن لم يكن بينهم علاقة نسب متوارثة، ففي أقل الأحوال دلالة إسمية واضحه، ترجح كفة الإنتساب. 

هـ) سقوط دعوى أزدية عسير، والتي بثتها مجموعة إمتاع السامر، وثبوت نزاريتهم،كما في مصادر المتقدمين، مثل: الهجري والهمداني والربعي... إلخ.

ي) وهو الذي ظهر مؤخرا، ونأخذه من باب الاستئناس، دون الجزم فما زال الأمر يحتاج إلى مزيد بحث ودراسة، ألا وهو العلم الجيني، فقد ظهرت أغلب عينات الفحوصات الجينية لقبائل عسير، على تحور مخالف لمَ عليه قبائل رجال الحجر وغامد وزهران والبقوم، أصحاب الموروث الأزدي.

هذا ما أردنا ذكره وتوضيحه والله أعلم..

أبي سيف، محمد آل مسلّم