«أنساب رجال الحجر بين ابن الكلبي والهمداني تعقيب وتصويب»

 

أنساب رجال الحجر

بين

ابن الكلبي والهمداني

تعقيب وتصويب


بسم الله، والحمد لله، والصلاة على رسول الله، وبعد:

لا يشك من لديه أدنى درجات العلم، بعلو كعب أبو محمد الهمداني، لسان اليمن المتوفى بعد 360هـ، الذي ترك لنا إرثا ثمينا، منها كتاب "صفة جزيرة العرب" في الجغرافيا، وكتاب "الجوهرتين العتيقتين" في المعادن، و"قصيدة الدامغة" حمية عن القحطانية، وغيرها من الكتب المفيدة، وبقدر ما أضاف إلينا من علوم، في شتى المجالات العلمية، إلا أن له فضل كبير على أبناء رجال الحجر خاصة، ومن ينظر إلى ما دونه عن بلاد الحجر، يعلم جلالة قدره ورفعته، ولا يجحد هذا منصف.

وكذلك الأمر مع النسابة الكبير ابن الكلبي المتوفى 204هـ، والذي تربع على عرش النسب، وإليه يعود العرب في أنسابهم، وفي قول العلماء ما يكفينا عن سرد المزيد.

وفيما يلي تعقيب وتصويب على ما ظهر من موضوعات، في أنساب رجال الحجر، بين ابن الكلبي والهمداني، ونسأل الله التوفيق والسداد:


1- قالوا:[-أصاحب الرأي الأخر- إن ابن الكلبي أقدم من الهمداني عمراً وعلماً. قلنا: صحيح أنه الأقدم في العمر والمدة ولكن الهمداني لم ينقل من الكلبي في نسب الحَجر شيئاً، بيد أنه نقل عنه في أمور أخرى. وأما علم الكلبي بالنسب فله السبق إلا في نسب الحَجر فهو قليل البضاعة فيه ]. 

• هذه دعوى لا نسلم بها، والدعاوى إن لم تقم عليها بينات أصحابها أدعياء، فعندما عدنا إلى أنسابه وجدناه متقن لأنسابهم، تجاوز الهمداني في أصولهم القديمة، ووافقه بها أغلب مؤرخي الإسلام، كيف لا! وابن الكلبي "النسابة الأوحد" كما عند الذهبي! و "إمام النسب" كما عند ابن حجر! فما حجة من يضرب بأقواله عرض الحائط، ويُشنع على كل من يعول عليه؟! هذه الأفكار يحتاج أصحابها إلى إعادة نظر وسلامة صدر!

ولتسليط الضوء أكثر، نقول أن ابن الكلبي، محسوب على القبائل اليمانية، فهو "قضاعي حميري" النسب، من "بنو كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة"، وكان له العديد من المصنفات تجاوزت المائة، وما يهمنا عرضه في هذا المقام، كل ما له علاقة بقبائل "الأزد" وأخبارها، فقد ذكرت المصادر أن من مؤلفاته : (كتاب بيوتات اليمن، وتفرق الأزد، وتسمية من بالحجاز من أحياء العرب، وحروب الاوس والخزرج)... وغيرها من المصنفات التي تعتبر في عداد المفقود، ما عدى شذرات حفظتها لنا كتب التراث، ومن تمعن في كتب التراجم وخاصة الصحابة منها، سيجده رأساً يعول عليه في أخبارهم وأنسابهم، وقد أخذ الكلبي عن رواة القبائل: كالأزد وخثعم وبجيلة وحمير وغيرها، وهذا ما جعله واسع الاطلاع في أنساب العرب، وعلى سبيل المثال لا الحصر، جاء في طبقات ابن سعد: (عن هشام بن الكلبي حدثنا لوط بن يحيى قال كتب النبي صلى الله عليه و آلة و سلم الى ابي ظبيان الازدي من غامد يدعوه و يدعو قومه فأجابه في نفر من قومه منهم مخنف و عبد الله و زهير بنو سلیم و عبد شمس بن عفيف بن زهير هؤلاء قدموا عليه بمكة وقدم عليه بالمدينة جندب بن زهير و جندب بن كعب و الحجر بن المرقع ثم قدم بعد مع الاربعين الحكم بن مغفل).

وعنه أيضاً: (أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبي الفياض الخثعمي قال: مر عبد الله بن عبد المطلب بامرأة من خثعم يقال لها فاطمة بنت مر. وكانت من أجمل الناس وأشبه وأعفه. وكانت قد قرأت الكتب. وكان شباب قريش يتحدثون إليها).

وجاء عند ابن عساكر: (عن ابن الكلبي، عن أبي الهيثم الرحبي رجل من حمير قال حدثني شيخان ممن أدرك حمام بن معدي كرب وسمع حديثه من قلق فيه ذؤيب بن مرار والارقم بن أبي الأرقم فذكر قصة طويلة).

وجاء عند البلاذري: (عن الكلبي، عن بعض آل عزرة البجليين أن عزرة بن قيس حاول فتح شهرزور وهو وال على حلوان في خلافة عمر فلم يقدر عليها).

ولعل فيما سبق حجج كافية شافية، لكل من جهل بأخباره، وزهد عن أنسابه.


2- قالوا: [والعجيب من المعتمدين على ابن الكلبي عدم قدرتهم على إخراج شجرة للحَجر فقط، ولكنهم يقحمون الهِنو وولده كافة في هذه الشجرة تعظيماً وتكثيراً لقولهم].

• أيضاً هذه دعوى لا نسلم بها، فقد دون الكلبي من أنساب الحجر ما هو متوافق مع الهمداني في مواضع، وزاد عليه في أخرى، والعكس صحيح.

قال ابن الكلبي في أنساب الحجر: ( ولد الحجر بن الهنو بن الأزد: الاواس وعامر وكعب؛ فمن الاواس بن الحجر: ربيعة ومالك؛ ومن مالك بن الاواس: أنيسا؛ ومن ربيعة بن الاواس: شهر وعمرو ومالك ونصر والحارث منهم الشاعر الشنفرى؛ ومن كعب بن الحجر: مالك؛ ومن مالك بن كعب: جبيهة ونازلة وزيديل وعرقة وزيد وجروا )، أما محاولة التقليل من شأن اخوان "الحجر بن الهنو"، فهو من باب سد الثغرات، وتحجيم آراء الطرف الآخر، وقد ذكر الهمداني في كتابه أن : (مما تتلو عنز إلى مكة منحدرا الحجر، باطنها في التهمة، ألمع وير في ابنا عثمان في أعالي حلي وعشم وذاك قفر الحجر)، وهذا النص يتكأ عليه من يدعي حجرية "يرفى"! وفي ظني لا يخفاهم دخول بعض من أبناء "الهنو بن الأزد" في قبائل رجال الحجر!


3- قالوا:[ -أصحاب الرأي الاخر- اتفق الكلبي والهمداني في بعض نسب الحَجر مثل عامر بن الحَجر. قلنا: اتفقوا إجمالاً كعادة العرب في الأخذ بالأشهر (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)؛ فنسَبَ – صلى الله عليه وسلم – نفسه لجده وهو الأشهر ولم ينتسب لأبيه عبد الله. رغم أن الهمداني ذكر تارةً عامر بن الحَجر وتارةً عامر من الحَجر ].

• نعم: هذه قاعدة معتبرة نوافقهم بها، ويمكننا الاعتماد عليها، وتطبيقها على كثير من نصوص الكلبي والهمداني وغيرهما، ولكنها ممتنعة على النصوص الواضحة، ولا يمكنها تجاوز صريح النسب، وأما في مسألة ابدال الهمداني كلمة (بن) إلى (من) في قوله : (خاط واد وسكانه بنو عامر الغورية من الحجر)، فالذي يتضح من السياق أنه يريد تفريقها عن عامر أخرى غورية، وأما نصوص النسب، فقد أثبتت "نسب عامر بن الحجر" صراحة، فبعد ما ذكر الهمداني: (الأشجان قرية كبيرة ليس في السراة قرية أكبر منها بعد الجهوة وساكنها بنو عبد من بني عامر بن الحجر، ثم نحيان واد مستقبل القبلة فيه التفاح واللوز والثمار وصاحبه علي بن الحصين العبدي من بني عبد ابن عامر وابن عمه الحصين بن دحيم وهم الحكام على نحيان والأشجان والحرا)، وهذا النص من كتاب "صفة جزيرة العرب"، طبعة ليدن، وطبعة الأكوع، وطبعة ابن بليهد، وغيرها من النسخ المخطوطة التي لم يعتمد عليها محققو الكتاب.

ووافقه ابن الكلبي صراحة حينما ذكر أن : (عامر بن الحجر بن الهنو بن الأزد)، وكذلك ابن يونس المصري عند ذكره للصحابي : (عبيدة بن عبد الله الأزدي، ثم الحجري: من بنى عامر بن الحجر، شهد فتح مصر)، وكذلك ابن ماكولا: (وأما حجر الأزد فجماعة، منهم أبو عثمان سعيد بن بشر بن مروان بن عبد العزيز بن مروان الأزدي ثم الحجري ثم العامري)، فلا مجال للإصرار على الرأي الخاطئ، خاصة مع وجود النسب الواضح الصريح، ولا عبرة بالاجتهاد مع وجود النص.


4- قالوا: [ فصّل في موضع آخر في كتابه الصِفة، وهو ما غفل عنه كثير من الناس بقوله:(وتُنومة والأشجان ونحيان ثم الجهوة قرى لربيعة من الحَجر وعاسرة والعرق وأيد وحضر ووراءه قرى لبني ربيعة من أقصى الحَجر أيضا). الملاحظُ أنه ذكر قرى بني عامر وهي الأشجان ونحيان والحرا (الظهارة) وقال: إنها قرى لربيعة وأيضاً قال: تُنومة والجهوة (النماص) وأيد وحضر وعاسرة كلها قرى لربيعة. وأخبرنا أن ربيعة من الحَجر أو ابن للحَجر إجمالاً كما هو الأشهر. ولكنه – لله دره – فصّل في نسب حاكم الجهوة جابر بن الضحاك الربعي بقوله: ( من نصر بن ربيعة بن الحَجر من بني أبي أثلة رؤوس بني نصر بن ربيعة بن شَهر بن الحجر )، وهنا أصّل وفصّل وثبّت من غير ريب أن ربيعة ابنٌ لشَهر، ولهذا تبين أن عامراً ابنٌ لربيعة بن شَهر، فهل بعد هذا التوضيح قولٌ يُقال؟ ثم أين الاتفاق الذي ذكروه؟ ] .

• تم تصويب هذا الرأي، فيما سردناه بالنقطة (3)، وأما إدعاء أن قرى بنو عامر، الأشجان ونحيان والحرا (الظهارة)، هي من قرى ربيعة بن الحجر!! فهذا خلط عجيب لا يصدر عن باحث مطلع!! وندع للقارئ المنصف الحكم، قال الهمداني فيما اتكأ عليه: (وتنومة والاشجان ونحيان، ثم الجهوة قرى لربيعة من الحجر... إلخ)، وأعتقد أن كلمة (ثم) هي الفيصل لهذه القراءة الركيكة والفهم الخاطئ.

أما أسماء الانساب التي اتفقا عليه الهمداني والكلبي فهي: (الأزد والهنو والحجر والاواس وعامر وربيعة ومالك وجبيهة وزيد ونصر والحارث بن ربيعة ونازلة)، وقد اضاف الهمداني اسم "شهر" فيما بعد "مالك ونصر ونازلة وربيعة"، وهذا مما تفرد به الهمداني، وفي ذلك تفصيل تجده في النقطة (5).


5- قالوا: [ ذكر الهمداني مالك بن شَهر وولده وبلادهم في خمسة مواضع بقوله: مالك بن شَهر. وهو خلاف ما ذكره الكلبي حيث جعل مالكاً ابنٌ لكعب. وخُلاصة القول في هذا الشأن يتضح بكل جلاء أن: ( مالك وربيعة ابني شَهر بن الحَجر بن الهِنو بن الأزد) ].

• أقول لقد تفرد الهمداني في ذكر "مالك بن شهر" دون غيره، ولم نجد في كتب الأنساب من يعضده هذه النسبة، والمشهور أن "مالك" اسم كثير الانتشار بين العرب، وقد يتكرر في القبيلة نفسها عدة مرات، وعلى الصحيح ليس كل "مالك" ابن لـ "شهر"! وقد أثبت ابن الكلبي هذا الأمر عند ذكره لـ "مالك" الحجر في ثلاثة مواضع: (مالك بن كعب بن الحجر، ومالك بن الاواس بن الحجر، ومالك بن ربيعة بن الاواس بن الحجر).

ولشرح حقيقة سطوع اسم "شهر" -وهو ما يخفى على كثير من الباحثين- وأسباب بروزه زمن الهمداني، نقول أولا: أن ظهور الفرع على الأصل مسألة مشهورة، ومعلومة لمن لديه اطلاع في طريق تكون القبائل عبر القرون، فقد إلتهم "شهر بن ربيعة بن الاواس بن الحجر"، كثير من بطون الحجر، تماما كما حصل مع "عامر ابن الحجر"، والذي هاجر جزء كبير منها مع الفتوحات الإسلامية، واستقر بعضهم في بلاد مصر، ولهذا الأمر أسباب ودوافع متعددة لا يسعنا التفصيل بها، ولكن ومن أجل تسهيل الأمر على القارئ، وتوضيح الحقيقة الخفية، سنطرح أمثلة حية من أرض الواقع، والمثال الأول عند : قبائل "عنز بن وائل" الربعية، والتي تعتبر من القبائل القديمة التي سكنت السراة، ويحدها من شمالها قبائل "الحجر بن الهنو"، بمعنى أن قبائل الحجر، آخر قبائل الأزد جنوبا إلى جرش، قال الهمداني: (قبلة الحجر على هذا يمانيها مصال لعنز ومن شآميها بلد ألوس والفزع من خثعم وشرقيها ما جاور بيشة من بلد خثعم وأكلب وغوريها بلد بارق فآل عبيدة من الأزد حلالهم حرام بن كنانة)، وقد فصل في أنساب "عنز بن وائل" كما في الإكليل حيث قال: (وأولد عنز بن وائل على ما خبرني بعض من يصاليهم من جنب : رفيدة واراشة، فأولد رفيدة : ربيعة وماوية وعامر وعبد الله وعمرة وحمارا ، فأولد ربيعة مالكا، فولد مالك جريمة وتولبا وسلامان. وولد عامر بن رفيدة: عبدالله ووهبا واياسا، وولد عمرو بن رفيدة:سلمة وشقيقا وتميما وعبدالله، وأولد اراشة بن عنز: عسير وقنانا وجندلة، فولد عسير: مالكا وتميما... الخ )، وهو نفس الأمر عند ابن الكلبي غير أنه ذكر (عسير - عشير) ولعله تصحيف، والشاهد من المثال أعلاه، أن الذي حصل مع "شهر" وأبناء وبطون الحجر، حدث أيضا مع "عسير"، حيث إلتهم أغلب أبناء وبطون "عنز بن وائل" وأصبحت القبيلة تسمى في عصرنا الحالي : "قبائل عسير"، ولم يعد لاسم "عنز بن وائل" أي ذكر! حتى أنه إلتبس الأمر على أعيان القبيلة وباحثيها، في حقيقة انتسابهم إلى ربيعة أم الأزد؟! وقد تدارك البعض منهم هذا اللبس، وتم تصويب نسبهم إلى ربيعة، وتصحيح المسار، ولترسيخ الأمر أكثر، نأخذ مثالا آخر عن قبائل كانت تسكن السراة، حتى خروج الأزد من اليمن، ونفيها إلى شرق السراة، ألا وهي : قبائل "خثعم"، حيث قال عنها الهمداني في الاكليل : (أولد خثعم حلف، فأولد حلف عفرساً، فأولد عفرس شهران العريضة وواهباً وناهسا وكوداً وربيعة أبا أكلب)، وهي أيضا تكرر معها ما حدث مع "شهر" و "عسير" كما تقدم، حيث أن "شهران" إلتهمت أغلب بطون "خثعم"، وأصبحت تسمى في عصرنا الحالي : " قبائل شهران"، وخبا اسم "خثعم" على قبيلة صغيرة تسكن السراة، بالقرب من جبل البلس، وهذا حال القبائل مع مرور الزمن، والأمثلة أكثر من أن تحصى، وتحالف الأصل مع الفرع أمر معلوم في الأنساب، وكل القبائل قائمة على الأحلاف.


6- قالوا: [ إن الهمداني لم يذكر الأواس، قلنا: قد يكون قبيلُ الأواس في زمن الهمداني قبيلٌ ضعيفٌ، ودخل بنوه في قبائل الحَجر وذابوا فيها فلم يجد لهم عُصبةً أو منزلاً. ما عدا جبيهة التي ذكرها في ساقين من اصدار تُنومة. وأرشدنا أبو علي الهجري أن جبيهة من الأواس. وابن الكلبي جعل الأواس أصلٌ من الأصول الثلاثة عنده (عامر، الأواس، كعب) وهذا محال. وابن الكلبي جعل جبيهة ابناً لكعب في قولٍ غريبٍ له. قال أبو علي الهجري: إن الأواس من الحَجر وليس ابناً للحَجر، والهجري نقل مباشرةً من الحَجريين أخبارهم وأشعارهم وأنسابهم ونقل عنه الهمداني، كما أشرت في رقم 8 من الأسباب ].

• أستغرب استثناء "جبيهة" دون "عامر بن الحجر"! وقد أوضحنا نسبها الصريح في النقطة (3)! أما أبو علي الهجري فهو عالم جليل، من وفيات القرن الرابع الهجري، وله كتاب "التعليقات والنوادر"، وقد إلتقى به الهمداني ونقل عنه بعض الأخبار، ومن باب الفائدة نقول : أن  كتاب "تاريخ العرب قبل الإسلام" المنسوب للأصمعي، وكتاب "وصايا الملوك" المنسوب لدعبل الخزاعي، وغيرها، يرجح أنها من كتب الهمداني المفقودة! فقد جاء في الكتابين أعلاه، خبر قبائل "خثعم وبجيلة" وانتزاعها للسراة، والخبر منقول عن الهجري، والسرد مقارب لقلم الهمداني، خاصة الأشعار المفردة منها، والأمر يحتاج إلى مزيد بحث للقطع بما سبق، وعودا للهجري في نسبه "جبيهة" إلى "الاواس"، نقول : بعد رجوعنا لأصل "التعليقات والنوادر" المخطوط، لم نجد إلا التالي : (انشدني الجبيهي من جبيهة الحجر، جهينة الحجر، بطن من الأسد من أهل السراة فصحاء) و"الأسد" من أسماء "الأزد" أما (جهينة) فتصحيف لـ (جبيهة)، وهو هكذا في كتاب الهجري، بتحقيق العراقي حمود الحمادي، وأما ما جاء في تحقيق حمد الجاسر، فهو نقل عن مخطوط الاشبيلي، وليس في أصل المخطوط، كما وجدناه بعد البحث، والأمر الآخر أن "جبيهة" جاء ذكرها في ثلاث مواضع من الكتاب دون ذكر "الاواس"، وهذا ما يجعلنا نرجح قول ابن الكلبي : ( جبيهة بن مالك بن كعب بن الحجر)، وحتى مع فرضية صحة الكلام، فلم ينسب "جبيهة" إلى "شهر بن الحجر"!

أما "الاواس" فقد ذكرها الهمداني نقلا عن أحد المخطوطات، وذكر شاعرها الشنفرى، وأيضاً ذكرها تلميذ الهمداني في نسب الشنفرى، وقال أنه من: (اواس الحجر بن الهنو بن الأزد)، أما تعليل خبو "الاواس" ودخول أبنائه في "شهر" فهو رأي معتبر، فالهمداني من وفيات منتصف القرن الرابع الهجري، وفيها طغى اسم "شهر" الفرع على "الاواس" الأصل، ودخل أغلب أبناء الحجر تحت التحالف "الشهري"، وقد أوضحنا الأمر في النقطة (5).


7- قالوا: [ قول الكلبي: إن مالكاً ابنٌ لكعب فجعل الأب ابناً، وهذه قاصمة الظهر وعوارٌ واضحٌ وفاضح؛ فقد خالفته الخطط المصرية وهي مكتوبة على ما نقله الحَجريون المصريون من أنسابهم الذين اختطوا الخطط في مصر مثل:(خطة الجيزة، وهي لبني كعب بن مالك). وهنا إثبات أن كعباً ابنٌ لمالك، وهذا دليل على بطلان كلام ابن الكلبي، وبخاصةٍ أن من فضل الله تعالى أن تلك الخطط مسجلةٌ في دواوين دولة بني أمية وبني العباس والدول المتعاقبة، فهل يُعقل أن تُسجل بالخطأ قروناً عديدة؟ ].

• أما "كعب" فقد ذكرها الكلبي: (مالك بن كعب بن الحجر)، وأيده بها مؤرخو مصر، من أصحاب الخطط، بينما لم يذكر الهمداني "كعب" لا من قريب أو بعيد.

فأما تقديم وتأخير المقريزي في قوله : "كعب ابن لمالك"، فنقول: رحم الله المقريزي العالم الجليل صاحب المصنفات العظيمة، ولا تثريب عليه ما دام الأصل واحد، والصحيح كما عند ابن الكلبي : (مالك بن كعب بن الحجر)، وأيده في ذلك ابن مندة، عند ذكر نسب الصحابي: (علقمة جنادة الحجري، من بني مالك بن كعب)، وقد ذكر ابن عبد الحكم في فتوحه: (علقمة بن جنادة أحد بني مالك بن الحجر)، وهذا تأكيد لمَ في أنساب ابن الكلبي، ودليل علو كعبه، فلم : [ يصطدم ابن الكلبي ولا حزبه بالحجج العِظام المتمثلة في: (السجل، وأبو علي الهجري، والهمداني، والتاريخ المصري، والنقوش الأثرية) ] كما ذكروا، بل صعد للمعالي كما قال الحموي : (لله در هشام بن محمد الكلبي، ما تنازع العلماء في شيء من أمور العرب، إلا وكان قولُه أقوى حجةً).


8- قالوا: [ اعتماد بعض المخالفين تحقيق الأكوع لكتاب (صفة جزيرة العرب) ، وإهمالهم لتحقيق (البليهد)، ولم يعلموا – أو أنهم علموا وتغافلواـ أن الأكوع قد حذف من كتاب الصفة بعض الأماكن مثل: (صبح وبهوان) ، وحذف نسباً عظيماً مؤصلاً نسب جابر بن الضحاك وهو (من بني أبي أثلة رؤوس بني نصر بن ربيعة بن شَهر بن الحَجر) ولكن – ولله الحمد- أن الأكوع استدرك ذلك في كتابه: (اليمن الخضراء مهد الحضارة) ، وأتى بكلام الهمداني في الصفة موافقاً لتحقيق البليهد والمخطوطات القديمة لكتاب الصفة ].

• أما كتاب صفة جزيرة العرب، فقد قال حمد الجاسر: (وقام الشيخ محمد بن عبد الله بن بليهد – رحمه الله – بإعادة طبعه في سنة ۱۳۷۳ (۱۹۰۳ م) في مطبعة السعادة بمصر وجاء في 438 صفحة، وقد اعتمد المحقق الفاضل المطبوعة الأولى أصلا له واستعان بمخطوطة نسخت له من اليمن.

والواقع أن قارئ، آية واحدة من الطبعتين لا يستطيع أن يبصر طريقه لكثرة ما فيها من الكلمات المشكلة، ولا يرجع هذا إلى قصور المحققين الفاضلين في عملها بل الى غرابة كثير من اسماء المواضع، ووقوع التصحيف فيها منذ عهد قدیم.

ولما أراد مؤرخ اليمن وعالمها في عصرنا الأستاذ الجليل القاضي محمد بن علي الأكوع الحوالي الحميري إعادة نشر هذا الكتاب وجد نسخة لم يطلع عليها من سبقه ، بل بذل جهدا مضنية في تتبع أكثر المواضع اليمنية بحثا بين سكان جهاتها ، وقد تكبد المشقات في التجول في جهاتها ، في أغوار الأودية أو في قلل الجبال ، مع صعوبة المسالك ، وعدم توفر وسائل الاتصال ، فكان له من مشاهداته وخبرته ، وسعة علمه في تلك البلاد حمير معين على تصحيح جل ما وقع في اسماء المواضيع اليمنية في تلك الكتاب ، کما عثر على نسخة بلغت من الجودة درجة حملته على الاعتماد عليها واتخاذها أصلا لمعاناتها ، وعناية بعض العلماء اليمنيين بها).

ورغم ما ذكره الجاسر انفا، فالأصل عندنا العمل بكل المطبوعات، وكذلك النسخ الخطية المخطوطة، دون تعصب أو تحيز، وكل ما يهمنا الخروج بالراجح من الآراء.


9- قالوا: [ ذكرت النقوش (بني عمرو) ، ولم يذكرهم الهمداني صراحةً، غير أنه ذكر بعض بلادهم مثل: (أيد، حضر، وعاسرة). وقال إنها من قرى ربيعة، وأصّل وفصّل -غفر الله له- قائلاً: إن ربيعة ابنٌ لشَهر بن الحَجر في نسب جابر بن الضحاك حاكم الجهوة. وهنا إثباتٌ لا شك فيه ولا هوى ولا عصبية (أن بني عمرو من ربيعة بن شَهر). فأين تذهبون أيها المخالفون؟ ].

• نعم لم يذكر الهمداني "بنو عمرو"، وذكرها ابن الكلبي في أنسابه : (عمرو بن ربيعة بن الاواس بن الحجر)، وأيدته النقوش الأثرية في بلاد الحجر، وهذا تأييد وتأكيد آخر يحسب للكلبي في أنسابه، وقد استفدنا كثيرا من كتاب "الجهوة" للدكتور علي العواجي، وكذلك مما أفادنا به الأستاذ الفاضل محمد بن عبدالرحمن ال سلام الدحيمي، صائد النقوش في بلاد الحجر، وأطلعنا على نقوش تحوي كثيرا من أنساب الحجر، وكان منها على سبيل المثال، نقوش تحمل اسم "الشهري"، وهذا دليل على قدم النسبة، والتي تعود لعصور جاهلية، وليس كما يظن البعض أنه اسم حديث! ورغم هذا لم يظهر لدينا ما يدعم قول الهمداني في : "مالك ابن شهر"، وأغلب النسب الظاهرة على النقوش هي ما بين "الحجري المالكي" و "الحجري الربعي"، والأخرى : " الربعي العمري" و"الربعي النصري" و"الاوسي" و"الشهري" و"الأثلي" والحارث" ... وغيرها.

فنرجو من المدعين أن يقطعوا جهيزة قول كل خطيب، ويظهروا لنا وللجميع هذه النقوش الأثرية التي وافقت نسبة الهمداني.


10- قالوا: [ لمن يسأل عن السجل اليماني ويقول فيه بغير علم، أقول: إنه شجرة نسب قحطان من آلاف السنين، فلهذا السجل ورثةٌ وحفظةٌ ذكر بعضهم الهمداني في (كتابه الإكليل)، ونقل عنهم النسب الصريح الصحيح وهو: (شَهر بن الحَجر بن الهِنو) ابن الأزد ].

• أما ما يسمى السجل اليماني، فعن ابن رقطة الصعدي وهو مجهول، قال عنه الهمداني أنه من رواة السجل، وجاء في الاكليل عن نسب "خولان العالية"، نقل لعدة روايات كان منها في صفحة 306: (رواية أخرى: قال ابن رقطة الصعدي، وهو من بعض ورثة السجل: إن من قبله رووا عن يزيد بن عبد الرحمن عن عبد الملك بن يغنم بن سلمة بن مالك بن عمير بن الليث بن مالك بن أسد بن غنم بن حي بن خولان بن عمرو بن الحاف، أن خولان أولد: حي بن خولان وسعد بن خولان والأزمع بن خولان وصحار بن خولان وهانىء بن خولان ورازح بن خولان ورشوان بن خولان. وأم صحار بنت أكلب بن ربيعة بن نزار.).

ثم انتقل إلى رواية أخرى : ( قول بعض ورثة السجل: و قال بعض وضعة السجل ونساب الهميسع: هي بنت ربيعة بن عفرس بن خلف بن أفتل، و هو خثعم بن أنمار بن أراشة بن عمرو بن الغوث بن ربيعة بن عفرس، فأولدها: حيا، و رازحا و صحارا، و أم سعد الأكبر، و هانئا، و الأزمع: عبدة بنت زید بن عمرو بن أذينة، و أم رشوان: الخليقة بنت ريان بن حلوان بن عمران، فأولد سعد بن خولان: سعداً، وربيعة، وبشراً، وعمراً، فولد ربيعة بن سعد : حجراً، وسعداً، وهم أهل غراش، وهم الذين يزعمهم نساب بني سعد بن الليث المالكي، وفروذ بن الربيعة، ويغنم بن ربيعة، وهم سادات في بني رازح، كل من كان منهم إلى ولد أعلى بن يغنم بن الربيعة. ومن ولد يغنم أيضاً: ولد حاذر، وولد ميمون في ولد صحار بن خولان، ويعنق بن الربيعة، وكامل بن الربيعة، ومعاذ بن الربيعة، وأسامة بن الربيعة، وأمهم جميعاً مزنة بنت وهب بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع وعمرو بن الربيعة، وداهكة بن الربيعة، وشريفة بنت الربيعة، وهي أم شهاب بن العاقل بن ربيعة بن وهب، وأمهم سمية بنت عمرو بن كواش بن حي، فنكح شهاب بن العاقل كبشة بنت الأزمع الأصغر ابن عمرو بن شمران بن عمرو بن الأزمع ،فولدت له عبد مالك.).

ثم عاد إلى سرد ابن رقطة الصعدي بنفس الصفحة 306: (قال: و أما عفرت، و الجابر، و کبي، و خفاجي، فإنهم من ولد كامل بن الربيعة، منهم بالمدينة مع بني حرب، وأكثرهم ممن خرج مع خالد بن قيس، سيد بني حي إلى مصر.).

وذكر عدة أقوال، إلى أن جاء في ص 307 وقال : ( و أما البقراء فمن أزد شنوءة، و الأبقور، و بنو ثور: من ولد شهر بن الحجر بن الهنو).

ورغم تحفظ العلامة حمد الجاسر على سجل صعدة الذي ذكره الهمداني، فلم يذكر السجل شيئا مما يستند عليه أصحابنا، وإنما هي رواية عن ابن رقطة الصعدي عن رواة عن يزيد الخولاني، ونحن لا نقلل من نصوص الهمداني، ولكن ينبغي علينا الإنتباه والدقة بالنقل.


11- أما الكلمات المنتقاة: (قاصمة الظهر وعوارٌ واضحٌ وفاضح - فأين المفر؟ - المخالفين - فأين تذهبون أيها المخالفون؟ - أيتام ابن الكلبي - نعوذ بالله من الجهل والهوى)، فللأسف قد سمعناها من بعض مجاهيل وسائل التواصل، وبصورة عامة ما زلنا نعاني ممن يتجاوز رحابة الإنصاف، ويتخذ من الاجحاف منهجا له، وفي مخالفة صريحة لأصول البحث العلمي! ناهيك عن تقليل قدر العلماء، الذي قطعا سيفتح بابا للجهل والتعصب! ولو أردنا المماثلة ففي قاموس اللغة ما يثقل الكاهل، ولكن: {لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.


12- تعمدنا وتجاهلنا: ذكر بعض المصادر، والتعليق على بعض النقاط عديمة الفائدة، وابتعدنا قدر المستطاع عن التكلف والتصنع، والحدة والغلظة، طلبا في تقريب وجهات النظر، للوصول إلى نقطة إلتقاء.


أخيرا: (من كثر اطلاعه قل إنكاره)، والحمد لله رب العالمين..



كتبه / محمد بن علي آل مسلّم 





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

«النقوش الأثرية وكتب الأنساب رجال الحجر نموذج»

«نص أنساب رجال الحجر عند النسابة الكبير ابن الكلبي 204هـ»

«سؤال وجواب» ... [القسم الأول]